هل يؤدي الإعلام دوره الحقيقي ؟

إنَّ هذا لسؤالٌ من المهم أن نسأله، ومن المهم أيضاً معرفة جوابه، خصوصاً إذا ما لاحظنا وصول الإعلام خلال السنوات الماضية -والشهور الأخيرة بالذَّات- إلى درجةٍ من القوة لا يُستهان بها, وإلى درجةٍ من التأثير يصعب إزالتها وتغييرها إذا ما كانت سلبيةً أو مُظلِّلة.

ودور الإعلام لا يُعرف إلا حال الأزمات -كما الصديق- و لايتضح إلا في خضم الأحداث والصراعات -أكانت دوليةً أم محليَّة. في اللحظة التي يبحث فيها النَّاس عن الحق والصدق، ويُفتش فيها المجتمع عن النزاهة والإنحياز، في اللحظة التي يصبح فيها الناس بالنسبة للإعلام عجينةً تُصلصلهم كيفما تشاء وفيما تشاء، وهي لحظةُ إن تفحصتها بعينٍ واعية سيتبيَّن لك حينها العاقل من الجاهل، الصادق من الكاذب، ومُفتعل الخطوب من مُهدئها.

فعلى الصعيد المحلي مثلاً -وهو ما يُهمني الحديث عنه- حينما تحدث حادثة وتولد شائعة فإنَّ الصحف تتحوَّل بشكلٍ ظريف لسوق خضرةٍ مليء بالضوضاء/الغوغاء، الكلُّ يصرخ والكلُّ يدعوك أن تصدقه ! فالإعلام حال المُشكلة لا يخدم كثيراً، إذ ترى على سبيل المثال من يعمد إلى ذكر جانبٍ واحد من القصَّة، ويؤجج الحدث، ثُمَّ تجد من العامَّة من يدافع ببسالة أو يُهاجم بضراوة مستنداً على هذا الجانب، والذي -وياللبؤس !- قد يكون الجانب المُصيب أو المُخطيء من القصَّة.
فعلينا أن نحرص دائماً على معرفة الجانب الآخر من القصَّة قبل أن نتحدَّث.

هذه الإندفاعات الإعلاميَّة التي تتكرَّر بشكلٍ دوريّ تؤثر سلباً على المُتـلقي لتوَّلد -في الغالب- آراءًا سرعان ما تتغيَّر فيتضح لأصحابها مدى التسرُّع والإندفاع. وتخدم -قطعاً- الخلافات في مجتمعٍ يتميَّز عن غيره من المجتمعات في أنَّه يبحث بجدٍ وكدّ عن الثغرات التي تُفرِّقه ثُمَّ يحشر نفسه فيها ! في مجتمعٍ لا يتهاون فيه البعض عن استباحة أعراض وسمعة بعضه البعض متى ما لمح الإختلاف.

والحديث عن الإختلافات/الخلافات يدفعني لا إرادياً للحديث عن حفلات “تراشق المقالات” التي تُقيمها الأحزاب والتيَّارات. إن الواحد منا ليُصلَّي صلاة شُكرٍ إذا ما مرَّ اسبوعٌ واحد دون ضجةٍ إعلامية.. تراهم يقرعون الكلمة بالكلمة، والمقال بالمقال، والإتهام الكاذب بإتهامٍ أبطل منه، حتَّى ولكأنهم ضرائر ! و الزوج ذو الحظ السيء في هذه الحالة ليس إلا الوطن، وأبناءه ليسوا إلا المواطنين الذين سيُجبرون في مرحلةٍ ما على اتخاذ صف والوقوف على أحد الجانبين.

إنَّ الإعلام إذا عكف على خدمة تيارٍ معين ضد آخر وأخذ يُفبرك الحقائق ويبث البلبلة بشكل خالٍ من المهنيَّة فإنَّه يفقد قيمته الأساسية : الحيادية، ولبئس الإعلام قد صار. لا يُسهم حينها إلا في توسيع فجوةٍ من المُفترض عليه أن يُرمِّمها، يُعالجها، أو يُقنعنا بأنَّها ليست موجودة إذا تطلَّب الأمر ذلك !
لا أقول أن نتغابى، بل أن نتغاضى بفطنةٍ وحِكمة عمَّا لا جدوى فيه و فيمَ لا نفع منه. ذلك أنَّ التيارات المحلية أظهرت لنا أنَّه لن يمكنها أبداً أن تقنع التيَّار المخالف وتحاوره بطريقةٍ واعية وحضارية، جعلت الأمر يبدو عصيَّا غير قابلٍ للسِلم، وهو ليس كذلك.
ولذا فإن السبيل الوحيد لخفت هذه الضوضاء هو تعايش هذه التيارات بعضها مع بعض وتقبل الإختلاف -أيُّ اختلاف- ما دام لا يؤذي الطرف الآخر أو يمسَّ الدين ويخلع ركيزةً من ركائزه.
وللغزالي في هذا الشأن قولٌ فيه من السدادة الشيء الكثير: “إذا سمحنا لأسباب الفرقة أن تنال منا، فلا مستقبل لنا، لأننا لن نكون”

نهايةً : هل نحن مجبرون على الخوض في كُلَّ شيء ؟ للصمت مواضع، أحسنها و أجلُّها الصمت عند الفتن.

9 آراء على “هل يؤدي الإعلام دوره الحقيقي ؟

  1. برأيي أن الإعلام يقوم بدوره منذ نشأته , وهو التحايل عليك – أيها الجمهور – في حقيقة دوره
    الإعلام لدينا رجل بصورة مشوهة وقلب مجهول النوايا وهواه هوى طفل شقي مؤذي , شعارات الوسائل الإعلامية ذاتها مبهمة و أحياناً تناقض نفسها !

    و بالنسبة للفوضى الإعلامية (أقصد الضجة الإعلامية) فهي داء أبليت به الصحافة و الإعلام ككل , مثلاً القضية التي أثيرت قديماً عندما قال الشيخ الكلباني بإباحة الغناء .. أنا لا أدري ما الذي نستفيده من نشر هذا الكلام خصوصاً بأن القول بإباحة الغناء ليس جديداً ولم يكن الكلباني هو السباق بهذه النقطـة .. وأسوء نتاج هذه الإثارة جرأة بعض السفهاء في الرد على الشيخ !

    و أيضاً الإثارة حول كلام طارق الحبيب الأخير عن الإنتماء و الوطنية , بصراحة الكاتب الذي رد على الدكتور يتحمل جزء من الخطأ بأسلوبه بالرد على الدكتور , كان الأجدر أن يطلب من الدكتور أن يوضح قصده أولاً قبل أن يلج في النوايا و “يخربط بالكلام” !

    وفوق هذا كله , يشتكون من الضيق و الكبت و يملأوا الشبكة سوءاً !
    و النهاية عين العقل

    وشكراً , وعذراً على الإطالة

    1. تماماً, التحايل. يُذكرني حديثك بنُقطةٍ وددت ذكرها في المقال وهي بعض العناوين التي تهوِّل المشكلة , تصنعها ! وتتمتَّع في خلق بلبلة في حين أن الأمر عاديَّ أو محض سوء فهم .
      شُكراً عبد الله لحٌسن القول.

  2. وكيف يكون للاعلام دور وهو مقيد ؟

    تكثر البلبلة حول المواضيع التافهة وتمتد لأسابيع , تزداد الاركان السخيفة بالصحف ببساطة لايملكون ما يملأ لهم صفحاتهم .

    وضع الاعلام بالبلد يذكرني بحديث الرسول عليه الصلاة والسلام حول السارق , اذا كانت القضية لمواطن عادي لا يمتلك السلطة اطالوا الحديث فيها واختلقوا الاحداث ايضًا .
    اما اذا كانت تمس سادة البلد عم الصمت ووضع عنوان بسيط في اسفل الصفحة وكان هو المظلوم بالموضوع .

    شكرًا بنان , فعلًا ما اجمل الصمت عن الفتن لكن للآسف لا احد يتقن 🙁

  3. جميل ماطرحتي اعلامنا كما ذكر الاخوة متحيال – مقييد

    مايحيرني جدا اختلاف بعض القصص من صحيفة لأخرى :r: ربما عجزوا عن مقابلة جميع الاطراف :no:

    1. لأنَّ هذه الصٌحف تعمد إلى التأويل, ولايبدو أنَّ المصداقيَّة تُهمها كثيراً.
      أهلاً بك ماهر.

  4. لأنني لا أتابع صحافتنا المكتوبة إلا ما كان منها خبراً محليّاً عن مشروع جديد
    أو إعلان زواجٍ مرفقاً بالصور لأناس أعرفهم ـ لذلك لا أظن بأني قادرة على قراءة تدوينتك في سياقها

    سعيدة أنك عدتِ للنقاش و إبداء وجهة نظرك :h:
     و آمل أن تلحق هذه التدوينة تدوينات أخرى تجعلنا نسمع نبض بنان في هذا الضجيج من الأصوات :ki:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *