موعد مدبّر

في طاولة التحقيق، سأله المحقق: إنَّه غريب، ولست تعرفه، لمَ قتلته؟
– كنت.. كنت أريد مقابلته.
– من ؟
– ملك الموت.

جنديُّ النافذة (قصة قصيرة)

كان المساء أحمر.
وأنا لا أقول هذا بطريقةٍ شاعريّة، كان المساء فعلاً أحمر. الدماء في كل مكان، الفوضى انتشرت بسرعة، مثل رشّة عطر. والصخب يومها كان مريض غيبوبة، يفيق ساعةً ويغيب أخرى.
ذهبت لانتشال الجثث، كان عددهم بسيطاً هذه المرة، أحجامٌ لم نعتدها، أجسادٌ ضخام. استغرقنا الأمر وقتاً طويلاً لذلك، كان شاقاً أيضاً هذه المرة.
بعدما فرغت، جلست أتأمل الموقف. إنني أقتل، للمرة الرابعة. ولا أجد في الأمر أية مشكلة، هذه هي المشكلة. أحاول التنصُّل بتفسير هذا البرود، هذا التبلُّد الذي يرتديني. وكل ما أتوصل إليه أننا في مرحلةٍ ما ننتهي إلى فعل مالا كنا نتخيّل يوماً أنّا سنفعله، هذا كل شيء، نبرر ذلك بأنّا صرنا الآن أكثر فهماً.. أكثر اقتناعاً.

في المرة الأولى، حاولت إبقاء الأمر خفية. لكنه وجهي كان فاضحاً عند أمي، وجوه الأبناء دائماً أبوابٌ عارية عند أمهاتهم، واضحة، لا تُغلقها كذبةٌ أو تسترها حيلة. و كانت تعرف، أن المرء لا يخفي شيئاً إلا إذا كان جيداً جداً، أو سيئاً جداً. وكم تمنت الأولى، لكنها تدري أن الأوضاع ترجّح الثانية أكثر.

في المرة الرابعة، كانت موجودة. كان مقدراً لها أن تشهد الأمر في أي يوم، ليس الأمر كما لو أننا نتشارك قصراً، كان منزلاً صغيراً، بطابقين، وغرف كافية لأيّ عائلة صغيرة يتكون أفرادها من خمسة أشخاص. واحدٌ منهم لم يعد إلى المنزل منذ أشهر طويلة. كان ذلك أبوهم. كل ما أبقاه كان بندقية صيد.

أخبرتني ماريّة أنها سمعت بعض الأصوات، ذهبت إلى نافذة الطابق الثاني، من هناك رأيتهم، اثنان، يتضاحكان و يتمطيان. كانوا قد دخلوا ساحة دارنا، أحدهم خرج عائداً يتفقد أمراً ما، أظنه أوقع شيئاً، انفعل فجأةً مع صاحبه وأخذ يوبخه. ما إن خرج صوبت بندقيتي نحو الآخر-كما لو كنت قاتلاً محترفاً، باتجاه رقبته، وبسرعة أطلقت النار، اربع مرات، اثنتان منهما كانت في الجدار…

هكذا كنت أقتلهم، من نافذتي.

عندما سمع الثاني صوت إطلاق النار عاد مسرعاً، لم يتوقف لحظةً لتفقد صديقه، الملعون راح يرشُّ الطلقات في كل مكان بشكلٍ جنوني، وأنا صرت أرتعد وأتخبط بشكلٍ أبله. في المرات الأولى ارتجفت كثيراً وسقطت مني البندقية عدة مرات، لكني في النهاية تدبرت الأمر. هذه المرة كانت صعبة، أخذ يصوّب باستمرار نحو النوافذ، كان متمرساً ويعرف أن الرصاصة التي اخترقت صديقه للتوّ ما كانت لتجيء إلا من أعلى.

أخي الصغير كان يبكي وهو يرى اخته الكبرى تتحول لكائنٍ متوحش، لشخصٍ آخر لا يعرفه، أو لم يكن يعرفه. بينما أخذت أمي تغلق عينها كما لو كانت تدفع الشرّ بهذه الطريقة. وحدها ماريّة كانت عوناً في مثل هذا الموقف، مفزوعةً تصرخ “احذري” على الأقل.

عندما توقف لحظةً، راح يصرخ ويتوعد ويتلفت يمنةً ويسرة، صرخت ماريّة “الآن، الآن!”، رحت التقط البندقية التي سقطت أكثر مما أطلقت، وأصوّب..هذه المرة صوَب رأسه، أريد اختصار الوقت، لا أحب التعقيد، ولست ماهرة بما يكفي بحيث أتخيّر مكاناً آخر. كان غبياً إذ لم يرتد خوذةً يومها، وكان الحظُّ رفيقي ساعتها. عندما وقعت عيناه عليّ وتبيّن مكاني أخيراً، كنت قد أطلقت النار، وخرّ صريعاً، يختنق بغضبه. صليت ساعتها كثيراً للأفلام، أمي التي لطالما وبختني من أجلها صلت معي كذلك!

قبل دفنهم، بصقت عليهم، كما كنت أفعل مع كل الذين أقتل منذ بدأت الحرب. كانت هذه طريقتي الوحيدة ‪والبائسة‬ لإظهار امتعاضي، لقول:” اغربوا عن وطني! ”

unstoppable .

تتغيَّر رغباتنا في لحظة , تتغيَّر وِجهتُنا في لحظة , تهرب سعادتنا في لحظة , يستيقظ الحظ في لحظة , يتغيَّر أصدقاءنا في لحظة , تقتلنا الحياة في لحظة , نكتشف أحبِّائنا في لحظة , نصادف الكتابة في لحظة , تخذلنا الفرص في لحظة , نتغيَّر في لحظة , نتخلَّى في لحظة , نُعاود النهوض في لحظة , تنزلق أخطاءنا في لحظة , يتغيَّر حُبُّنا في لحظة , تنعقف أرواحنا في لحظة , تتبدَّل ملامحنا في لحظة , تتوقَّف تحرُّكاتنا في لحظة , يتغيَّر تفكيرنا في لحظة , نبغض الحياة في لحظة , يستسلم صمتنا في لحظة , يتغيَّر لُطفنا في لحظة , نتهشَّم في لحظة , نستيقظ في لحظة , تنقطع رسائلنا في لحظة , يتغيَّر صوتنا في لحظة , يتغيَّر مجدنا في لحظة , تتغيَّر ذكرياتنا في لحظة.

يتغيَّر العالم .. في لحظة !

في عِـداد التُعسـاء ؛

http://benoo.files.wordpress.com/2009/06/pieces_and_parts_by_sabai.jpg

كم من الأمُور التي نُدبّر لجمالها في أفئدتنا ثم تلد نفسها بخيبةٍ فادحة لم نتأهب لحلولها :

الاعترافات التي تحبو/ تهفو لسُرّة الفاه ثم تُبتر هوت بي , الصَوت الناعم الذي كان عليه أن يضجّ نظرتك ويُخبرك كم أحفل ليطمس الظُنون و يُسرّب مكمَناً لا قسر فيه ولا التواء يُشبه الأوّل كذلك , إهترأ قبل أن يندفع .

 الأحاديث النحيلة التي تجتّر نفسها بصعوبة لكنّها تضلّ , تفرّ عن التجلّي و تكلّ , كحُلمٍ يطفو بغير شكله الذي يجب / نُحبّ أتعبت فاهي .

وكُلّ السُبل الرثّة التي تصطف في آخر المعنى و ترتديني لتلج بمظهرٍ خامد أساءت التنهد .

فـ في أقصى عيني هُدنةٌ مع الفرح تُناضل لتنحرف , مَثـلٌ شرود , صُراخٌ فارغ , شظيّة عُبوسٍ عالقة , نهوضٌ مُستهلك , ابتسامه مُستخفّة .

و جُلّ هذه الخيبات عبءٌ مُتراكِم يُوشك أن يفقأ الُعلوّ و البصر .

وأنا …

أغرق فيّ .

كارثة استنشاقية ؛

lisa_8_by_elendill

الملامح المُبهمة التي تسير جوف وجهي و تطبع كُل يومٍ مُخالفة , تجيئني كنوبة عجز خاملة / بائسة و تبيت كـ نساءٍ قواعد ..

حنطّت وجهي !

صيّرتني حادةً كثيراً , اشعّ بمطالبٍ نفسيّة لا تكترث إلا بضخ المُفيد / المٌثير ..

و كُلما نظرت لهذه الصُورة , كُلما توّغلت بمنايا أخالِس نفسي بإخراجها ..

في 1430 / 2009 ؛

أريد أن أتنفس طويلاً / كثيراً , ليومٍ كاملٍ واحد دون فكرةٍ وكعاء

تهلّ بفيضٍ متينٍ من الشوائب ثم تمضي – كما يفعلون ..

.

احتاج أن تلوذ جُلّ البهجة فيّ و تكوّرني من جديدٍ و حديث ..

.

ابتغي انتشال كُل رفات الماضي وشنقها , لتكون – مثلاُ – الشيء الوحيد

المُتاح لاستفزاز القدر ..

.

ارتجي تعتيق فِكري وسمعي بضحكاتٍ محشوّةٍ بالصدق , الضحكات التي فرّت

بعيداً ..

فرّت شامخة / لائمة تزري عليّ سوء حبسي لها ..

.

أتوق لمُلاقاةٍ نفسٍ صديقة تقتحم هوائي , تُسارع بجرّي لعلييّن دون تسلقٍ

وحيدٍ / و حيرةٍ تزيد ..

.

أتحرى هواءً ضخماً , يُلاطم روحي و يُعيد تشييدها و إصلاح الضرر ..

حيث لا نقص ولا كدر !

ولا شخصٍ يُخبرك بأنّك أضعت المقرّ ..

_ مأساتان في الحياة : ألا تُحقق رغبة القلب , و أن تُحققها

برنارد شو

إني بلغت من الهم عتياً ؛

كالحمقى يرفلون قولاً , يهتفون بما يُصيب مرةً و يُخطئ عِدة , يحسبون كُل بسمةٍ خاوية ..

عرِفتهم يُمارسون كذباً عملاقاً , كُلما زادوه هوَا بهم ..

وفي أعين الفاسدين ميثاقهم يرقص عفةً مرشوقة , و أيم الله لو عرفوا جِذرها لكانت مرجومة  ..

.

.

وَ أنت , كما دائماً

لن تنال صخب إعجَابهم ..

لأنك العليل لُطفاً الذي خرج من جوف البهجة يسعى , ثم حين تخاطر وعياً أستخدم الضحك مُسكِّن آلامٍ حتى يشفى ..

لأنك الساذج الذي أعار يده مُحسناً, ثم حين عادت صار حديثك يتسرّب عِوجاً ..

لأنها كانت مثقوبةً تتدلى ..

لأنك الحالم الذي سُخط بفلمٍ ما وُجد إلا بالكذب مغموراً , فجعل يتعدى قمة الجبل

سقوطاً ..

لأنك القنوع الذي توّلى حمل مشعلٍ كإنارةٍ غذّاء لأحدهم , فـ جيء به عائداً ..

مُبتسماً و محروقاً !

لأنك الطيّب الذي يبكي وهِناً , يُناجد القريب و هو غريب , فكان يهزّ عنقه مواسياً بلا رأس ..

وهُنا كان عجولاً ..

ولأنك  ” أنت ” الذي فشل في وصف نفسه فاتجه لهم عابراً مأثوراً , قرّر أن يقف في منتصف طريقه – مُتحذلقاً – ليحللهم , يعرفهم , و يداريهم ..

بينما هم يمشون مبتعدين . يتقلّصون

شكلاً

و قولاً .

يصرخون لك : أن كُن مغفوراً ..

Thinking ؛


لا تُحدق – بعيّنيّ – طويلاً ؛ ستبتهل لك اللعنات ..

فيّ طفولة غادرت جسدها باكراً جداً , و بشكلٍ مفاجئ جداً , كعمي في قبره , كالكاذب يُحب فجأة , كالكِـبر حين يجيء , و الصواب حين يروح , كالمنحرفين الذين يخرجون عن قيمهم لمجرد رؤية مريض ٍمثلهم يواسيهم بمثل علّتهم !

لهذا كان لزاماً عليّ أن اكبر بشكل ٍمُفاجي , و أشارك الكبار همهم , اشهق برفقتهم , و أشاطرهم تلصصهم لبؤس الغريب و حُب الفريد ..

لا بأس ولا جدال , اشهد أني بكيت فيها مره .

/

أن تكون على صواب , امرٌ يجعلك مريضاً حائراً كتجاعيد عجوز ٍلا حول لها ولا قوة قــُدر لها أن تبقى حتى يموت ..

أما أنا كنت التجاعيد و عجوزنا كان الدنيا ..

ولأن احدهم يقول : *” أنا اكتب كثيراً لأني اقرأ كثيراً ” .  أقول أنا : ” أنا لا أنام كثيراً لأني اهتم كثيراً “

فثمة آفاتٌ كثيرة وددت لو اركلها حتى تقفز صحيحة ؛ إذ أن بعضاً من بني جلدتنا لا يتقدم إلا حين يبرز مُتفرداً ..

وحولي لست أرى إلا الساذجين يتفرّدون بغبائهم ! , و بثقةٍ لا تُبقي عاقلاً ولا تذر ..

* لكاتبٍ أرجنتيني كما يقول احدهم ..

قاموسٌ لهم ؛

للباطل جولةٌ ثم يضمحّل .

من كل شيء تستطيع وقاية الأحمق إلا من نفسه , ومن كل شيء تستطيع أن تداويه إلا من حُمقِه .