الحديث أدناه لا يعني شيئاً , إنّه مُجرّد إسهابٍ في الحنق و تغيير نبرة, لا ينبغي على الصغار تداوله .

– شيءٌ مُجهد أن تتحدث بحذرٍ / ذُعر .
بالنسبة لي , ليس عليّ أن احمل همّ التحدّث بطلاقة ؛ حتى يغبطني أحدهم , أو أن أهلّ بكميّةٍ وافرة من الصياغة ؛ لأُحلّ هيبةً شخصيّة , ولا تصيّد الكلمات الفريدة فتعرفوا كم أنا شخٌصٌ مُتمكّن , ينتشل صفوة الحديث فترتّج الأفئدة بدهشةٍ مُخيّلة .
ترجّلت عن هذه الفِعال , وتركتها للمُتفاقمين يمتطونها مُبتهجين .
الأمر ببساطة أن تتحدّث وأنت لا تكترث برأي أحدهم إلا بعد أن تكترث لرأيك.
رُبّما هذا المُبتغى وحده طموح !
أما هم – الطامحين نحو القُعر , الذين يدسّون رؤوسهم بين ذوي العزم بطريقةٍ خاطئة و يُحققّون غاياتهم بأرذل السُبل و أبهظ الطُرق – تسير الأمُور عكس ذلك , فبالنسبة لهم :
عليك أن تبدو واثقاً , غامضاً , لا مُبالياً حتى يتقافز إليك الورى , ومن ثمّ ينقبوك فتشعر بالغبطة و تخبر أصدقاءك كم أنت مُهم , لدرجة أنّك تُبادر بكتابة مقالةٍ عن الأمر و تنتظر تلقي الرسائل بمناسبة هذا اليوم الفضيل العظيم !
.
فإنّك بطريقتهم التي يسيرون عليها تستطيع أن تكون ما تشاء , أينما تشاء , وكيفما شئت ..
بإمكانك أن تفد كشيخ و تنهى الصبيّ و تأمر الغبيّ , و لا يؤمن بقولك إلا أميٌ لازال يتعلّم كتابة اسمه بالماسنجر , أو – بإمكانك – أن تكشّر أنيابك عن مُتذاكي يُخبر بأنه قضى يومه الشاق وهو يجوب الجبال و الوهاد و يُصارع الثيران حتى يجد كنز أجداده الثمين , وهو عبارة عن حذاءٍ صنعة ” بنقالي ” بكيلو14 كان يرتديه جدّه أيام الجمعة , كما ستجد الفرصة لأن تشنّ إنتخاباتٍ تُشيّد نفسك بعدها رئاسي و تتظاهر بالولاء و تتحدث عن الغلاء , الفقر , العِرض , المرضetc….
و سيُعجِب الكثير أنك أحسست بمعاناتهم ,
قبّحهم الله كيف ذلك وأنت الطبقة الطيّبة ؟
الطبقة التي يُنادي كبارها بالدين
و يرجم صغارها أي شيخٍ متين !
الطبقة …
التي كانت دوراً في كُلّ ما يعانون !
وتستطيع أن تكون “أنت“ – مع استغناءك عن الصدق – في حين أنه سيبصق عليك قليلٌ و يصرخون بالنفاق و أثره على المُجتمع وكيف أنّه يخلّف آثاراً سلبية على الدين و الدنيا بينما هم يحتضنون عاهرة , وكثيرٌ ينكمشون برؤوسهم ثم يقولون : رأيت مثلك من قبل , مع تحياتي و قبلاتي و أسناني و أدنى كلامي .
و مسموحٌ لك أن تتظاهر بالتنبؤ لدرجة أنك تُخبرهم أنك رأيت يأجوج ومأجوجاً في مطبخك يمرحون , و سيتناقل الخبر وفدُ سياسيّ يقول أن الأمر مُدبرٌ و ينبغي إقامة قمّة لمعرفة الحقيقة !
لسوء الحظ سيجيء من هو أشدّ منك براعةً في الكذب ويقول أنّ الشعب العربي تخلّى عن البلوتوث و توّجه بدلاً منه للقراءة وتبادل كُتب مُراهقة كل ما تذكره في كتابها و تحاول أن تخبر العالم به ” أنها نضجت ” و أصبحت تُحّب !
لا أنسى انك ستملك فرصة أن تظهر ككاتب ..
لا تقلق , تستطيع أن تتحدث عن قمامة جارك – أكرمكم الله – و مع ذلك سيجيئك سيلٌ من ” لله درّك ” , ” ما أعظمك ” , ” الله أكبر يالهاته الموهبة “
بل إن الأمر ليزداد روعةً , و ستتحدّث عنك العربية و تغتاظ منها الجزيرة جراء ذلك
فقط حين تكتب عن الذباب !
وكُلّما تزّيفت , قلما عرفت ما تطمح إليه !
– – –
أما بعد :
فالأفعال المحشوّة بالسُذج هذه يحسبها البعض طموحاً , واحسبها – وغيري حيارى – نُباحاً مُجوّف !
فالطموح أن تسمو بعُنقك لا أن تلويه , الطمُوح شعورٌ يضرمه نبيلٌ يسعى لا يخشى , أن تزهو بعنانك نحو الأعلى فلا تلوذ به للزيف يفتك به , أن تركض لا تحبو …. و الكثير من هذه الأحاديث التي ولّى سامعوها ..
.
وكما قوّة الطائر في جناحية , و الجواد في ساقيّه , المُصّر كذلك في طموحه .
و لم يك شيئاً ليتفشى لولا الله ثّمّ مُعتكفي الطموح , فـ ” التقدّم الذي أحرزه العالم إنّما تحقَّق عن طريق الطموح ” كما ذكر إيمرسون ذات ساعة ..
الإرادة هي كُل اللُباب , هي من يُشيّدك بعد الله , هي زادٌ يتوّغل بك فتنتصب بأفعالك , غاياتك , أمنياتك أياً كان ما تُريد صُنعه , تحقيقه , و تكوينه ..
.
وكما – أيضاً – كُلّ شيء , ليس كُلّ الطموحين سواء ؛
هناك من يطمح لأطهر شأن , و خلفه من يطمح لـ ” أقشر ” مقام ..
ستكون هنري فورد , نورة الفايز , أو سكيراً بكّاء يترع خيباته إن أردت ..
اُكررّ : إن أردت , فكل شيء يجيء إن نحن أردنا و صنعنا , فلا توانوا عن صُنع قاماتكم بين الكِبار , أو حتّى الصغار ..
.
نهايةً :
بعض النّاس كالسّلم , يصعد عليهم الصاعدون , وينزل النازلون , أمّا هّمْ فلا يصعدون ولا ينزلون ! *
لذا إن كُنت شخصاً خاوياً لا تحفل بالأرب , فاغرب أوget real .
الأرب : الحاجة أو الغاية .
* ميخائيل نعيمة.