القراءة: أن تفهم العالم.

كأيِّ امريءٍ سكِّير قراءة، تبدو الإجابة على سؤالٍ مثل “لماذا نقرأ” أمراً صعباً للوهلة الأولى. وكأنَّك تسأل نفسك حول أحد البديهيَّات التي لم تفكر يوماً في التوقُّف لتأمُّلها، كلِما نتنفس؟ نسعى؟ أو حتى نفتش عن السعادة؟ إذ يتبخّر عنك الكلام، يُغادرك فجأةً ويفرُّ منك في الوقت الذي كنت تحسبه صديقاً مُخلصاً وملازماً لك!

إنَّها الحاجة، الحاجة التي تسدُّ جوعنا الدائم نحو الأشياء، رغبتنا الحثيثة في الشُّعور بشكلٍ أفضل. فالقراءة ليست فعلاً عابراً، هي مَوردٌ صغير، اعتكافٌ يعزلك عما يُضيم، هي نافذتك اليقظة على الآخرين!

ولأن {اقْرَأْ} التي بعثها الله كانت زرَّ تشغيل؛ قرأت، ثُمَّ في الأديان والتاريخ والفِكر والأدب كان أن غرقت!
اقرأ، لأنَّ القراءة تذكرتي إلى عقول الخالدين، لأنَّ فيها ملاذي، لأنَّها مخرج الطَّواريء! أقرأ لأفهم العالم، لأتوصَّل إلى طريقةٍ أتصالح بها مع خيباته وغرابته، لأُحبه أكثر. أقرأ لأُجيب محمود درويش حين تساءل “هل نُدرك المجهول فينا؟”.

إنَّ ما تُضيفه القراءة لحياتك وشخصك أكبر من أن تلحظه في لحظات وتُدركه في ليالٍ معدودات، في أفعالك سترى أثرها، في سُلوكيَّاتك، مفاهيمك. فهي بارَّةٌ برفقتك غير عاقَّة. إنَّها قادرة على أن تصنع منك شخصاً قويماً أو مُعتلاً، إذ أنَّها سُلَّم، به تختار طريقك إمَّا لأعلى أو لأسفل.
و هي ليست -كما يظنُّ الطريفون حين لا يقرأون إلا الرواية- طريقاً مُختصراً لبلوغ مرحلة الثقافة واكتساب رُتبة “مُثقف” بشكلٍ تام، ليس استنقاصاً وهجاءً في الرواية، فثمَّة من هم كتولستوي ودوستويفسكي وهوجو ومن شبههم من الرائعين حفظوا للعمل الروائي قيمته ووقاره الحقيقيّين. والمُثقفون تعرفهم بسيماهم وقراءاتهم.

“المكتبة: بيتٌ كبير، يعيش الموتى فيه مع الأحياء.” هكذا يقول أحد الذين ضاع اسمهم في وجه التَّاريخ، فصرنا نُسمِّيهم بـ”مجهول”! وأُصدِّقه في ذلك.
فهلاَّ لُذنا إلى مكتباتنا و أنصتنا لوشايةِ الأموات!


-مقال كتبته على عجل، تم نشره في احد أعداد مجلة “الإسلام اليوم”
إجابةَ على سؤال: لماذا نقرأ؟

هل يؤدي الإعلام دوره الحقيقي ؟

إنَّ هذا لسؤالٌ من المهم أن نسأله، ومن المهم أيضاً معرفة جوابه، خصوصاً إذا ما لاحظنا وصول الإعلام خلال السنوات الماضية -والشهور الأخيرة بالذَّات- إلى درجةٍ من القوة لا يُستهان بها, وإلى درجةٍ من التأثير يصعب إزالتها وتغييرها إذا ما كانت سلبيةً أو مُظلِّلة.

ودور الإعلام لا يُعرف إلا حال الأزمات -كما الصديق- و لايتضح إلا في خضم الأحداث والصراعات -أكانت دوليةً أم محليَّة. في اللحظة التي يبحث فيها النَّاس عن الحق والصدق، ويُفتش فيها المجتمع عن النزاهة والإنحياز، في اللحظة التي يصبح فيها الناس بالنسبة للإعلام عجينةً تُصلصلهم كيفما تشاء وفيما تشاء، وهي لحظةُ إن تفحصتها بعينٍ واعية سيتبيَّن لك حينها العاقل من الجاهل، الصادق من الكاذب، ومُفتعل الخطوب من مُهدئها.

فعلى الصعيد المحلي مثلاً -وهو ما يُهمني الحديث عنه- حينما تحدث حادثة وتولد شائعة فإنَّ الصحف تتحوَّل بشكلٍ ظريف لسوق خضرةٍ مليء بالضوضاء/الغوغاء، الكلُّ يصرخ والكلُّ يدعوك أن تصدقه ! فالإعلام حال المُشكلة لا يخدم كثيراً، إذ ترى على سبيل المثال من يعمد إلى ذكر جانبٍ واحد من القصَّة، ويؤجج الحدث، ثُمَّ تجد من العامَّة من يدافع ببسالة أو يُهاجم بضراوة مستنداً على هذا الجانب، والذي -وياللبؤس !- قد يكون الجانب المُصيب أو المُخطيء من القصَّة.
فعلينا أن نحرص دائماً على معرفة الجانب الآخر من القصَّة قبل أن نتحدَّث.

هذه الإندفاعات الإعلاميَّة التي تتكرَّر بشكلٍ دوريّ تؤثر سلباً على المُتـلقي لتوَّلد -في الغالب- آراءًا سرعان ما تتغيَّر فيتضح لأصحابها مدى التسرُّع والإندفاع. وتخدم -قطعاً- الخلافات في مجتمعٍ يتميَّز عن غيره من المجتمعات في أنَّه يبحث بجدٍ وكدّ عن الثغرات التي تُفرِّقه ثُمَّ يحشر نفسه فيها ! في مجتمعٍ لا يتهاون فيه البعض عن استباحة أعراض وسمعة بعضه البعض متى ما لمح الإختلاف.

والحديث عن الإختلافات/الخلافات يدفعني لا إرادياً للحديث عن حفلات “تراشق المقالات” التي تُقيمها الأحزاب والتيَّارات. إن الواحد منا ليُصلَّي صلاة شُكرٍ إذا ما مرَّ اسبوعٌ واحد دون ضجةٍ إعلامية.. تراهم يقرعون الكلمة بالكلمة، والمقال بالمقال، والإتهام الكاذب بإتهامٍ أبطل منه، حتَّى ولكأنهم ضرائر ! و الزوج ذو الحظ السيء في هذه الحالة ليس إلا الوطن، وأبناءه ليسوا إلا المواطنين الذين سيُجبرون في مرحلةٍ ما على اتخاذ صف والوقوف على أحد الجانبين.

إنَّ الإعلام إذا عكف على خدمة تيارٍ معين ضد آخر وأخذ يُفبرك الحقائق ويبث البلبلة بشكل خالٍ من المهنيَّة فإنَّه يفقد قيمته الأساسية : الحيادية، ولبئس الإعلام قد صار. لا يُسهم حينها إلا في توسيع فجوةٍ من المُفترض عليه أن يُرمِّمها، يُعالجها، أو يُقنعنا بأنَّها ليست موجودة إذا تطلَّب الأمر ذلك !
لا أقول أن نتغابى، بل أن نتغاضى بفطنةٍ وحِكمة عمَّا لا جدوى فيه و فيمَ لا نفع منه. ذلك أنَّ التيارات المحلية أظهرت لنا أنَّه لن يمكنها أبداً أن تقنع التيَّار المخالف وتحاوره بطريقةٍ واعية وحضارية، جعلت الأمر يبدو عصيَّا غير قابلٍ للسِلم، وهو ليس كذلك.
ولذا فإن السبيل الوحيد لخفت هذه الضوضاء هو تعايش هذه التيارات بعضها مع بعض وتقبل الإختلاف -أيُّ اختلاف- ما دام لا يؤذي الطرف الآخر أو يمسَّ الدين ويخلع ركيزةً من ركائزه.
وللغزالي في هذا الشأن قولٌ فيه من السدادة الشيء الكثير: “إذا سمحنا لأسباب الفرقة أن تنال منا، فلا مستقبل لنا، لأننا لن نكون”

نهايةً : هل نحن مجبرون على الخوض في كُلَّ شيء ؟ للصمت مواضع، أحسنها و أجلُّها الصمت عند الفتن.

يوم الوطن , يوم السَّخط !

Saudi Arabia

١٤ / ١٠, في الوقت الذي ينتظر به ثُلةٌ من المسعورين هذا اليوم ليصرخوا بالشَّوارع أو يُحطّموا ما تقع عليه أبصارهم و أيديهم – كتعبيرٍ بائس عن الفرح , نرى الثُلّة الأخرى تنتظره أيضاً لتتذمَّر حول الوطن وتبكيه .
هذا الوطن الذي تتسابق حناجر بعضنا على شتمه واهانته نحن من عليه أن يبني لُبنته ويُصحَّح خطيئته ، هذا الوطن الذي وهبنا -على الأقل- هويةً ما و أمان ينتظر منا بِرّه .
لست من المُقدّسين , ولا من الناكرين والناكرات أيضاً ! لكن للوطن علينا حقّ , حق أن ننهض به ونُقوّمه بدل الأجنبي . للوطن علينا معروف , وردُّ هذا المعروف لا يكون بالقول الجَحود أو صُراخ المعتوه !

أرانا في كُلّ حين شعبٌ  قلَّ ما يُعجبه , ولو أُتيح لنا لحصلنا على نوبل الساخطين ! فالمُتذمر مِنّا يدلف حرباً ضروس فيما لا ينال رضاه , ويخال لك حينها أنّه مُكافحٌ مُجدٌ يسعى من أجل الوطن بينما يحكُّ ظهره مُتكئاً على لوحة المفاتيح لا يفعل شيئاً ! كعجائز ” العصريّه ” لا يُجيد الواحد منهم سوى علك الأمور و إدّعاء فهمها .

أي نعم – كغيري-‬لا أُحب الوطن مُخطئاً ,  لكني اُحبّه أكثر حين يحتاجني لأصنع له شيئاً غير الكلام !
فالكلام : لا ضير منه لرفع المعنويات , نُصح المراهقات ! وإيقاظ حالمٍ نسي تذكرته للواقع . لكنه غير صالحٍ ونافع للوطن على الإطلاق , لا يُفلح للوطن سوى الفِعال ! فانجزوا شيئاً غير الكلام .
و تذكّر قبل أن تتذمر حول الوطن وتُنكره ,  أنّك – يا عزيزي-  تعيش بأحضانه وتتنفس هواءه , فأسعوا مُصلحين أو اخرسوا مشكورين !


الوطن :  مواطن ، وبُرقيّ المواطن يكون رُقيّ الوطن .

After all .

لا أفقه ما خطبي و الكتابة منذ فترة , وكأنّما أحلبها حلباً و ماطاب لها – ابداً – أن تجيء , فكما الحياة حين تهبك ساعات مجدٍ محدودة , كذا تفعل الكتابه تماماً حين تُدلق عليك افكاراً لن تجدها بعد ذلكم موجودة !

هذه المُطاردة المنهِكه تُشبه صبياً يستفزّ جاره حين تأتِ إليّ قبل النوم خطاباتٌ و ويلاتُ قولٍ كُنت ابحث عنها ثُمّ تفرّ فيما يُحسب بأقلّ من ثانيتين , و كأنّما هو حظٌ مُهتريء مُحكم ظُهورٍ , لعين غروب ! يضطّر كاتبه لاحقاً لهندمه ذاكرته و تفتيشٍ مُطوّل مُنتهياً به المطاف ليستسلم لكتابةٍ على قالب ” هاكم اقرأوا عجزيا ” , لهذا أقول أن الثرثارون كُتّابٌ ناجحون تُشبه الكتابه معهم حالة زفيرٍ انسيابيّه , بعكس الصّامتين حين يسعلون ! وماهم عنها بقادرين .

لاحقاً , ستُدرك أن في الأمر نهايةً غرضٌ جدير ؛ فلا أحد يود فعلاً أن ينتهي به الحال مُستقبلاً طأطأه رأسٍ و” لا بأس ” حول كتابةٍ يحسبونها نوبة بُكاء , بينما العكس أنّها جاءت في ” ما يودّ عتيّ الفهم قوله ” عند المساء !

كُـلٌ أخفق .

عكفت على الإمتناع عن الخوض في شأن الدكتور النجيمي حتَّى لأكون على بيّنةٍ شافية و حقائق واضحة , و سواءً جئت بجهل الخُطى أم أشدّها عِلماً المُخطيء بيّنٌ ظاهر و وقعه واضح , وهو كلاهما ” عائشة و النجيمي ” .

المشهد الذي رأيت – أي اللقاء التلفزيونيّ – وكأنّ سُنياً و شيعياً في غمرة مُكابدةٍ مُخفقة و حلبةٍ مُغلَقه ! إذ كلاهما يعتنق مباديء مُختلفة و رؤى لا تشبه بعضها و على هذا يتجادلان , و الأصحّ يُزمجران ؛ إذ ارتدت المُقابلة ثوباً طُفوليًّا لا يليق بشيخٍ ولا امرأةٍ لها حياءها الذي وجب أن به تحتفظ .

المُثير أن الإعلام الذي عليه أن يُصحّح الأمُور و كُتّابه الذين – من المُفترض – أن يُقوّموا الرؤوس و يُخفتوا الضجيج على الشكل الذي يهب نفعاً ويبتر ضراً ما قاموا بأيٍّ ممّا سُميّوا به ابداً ؛ ما رأيت إلا وفد ألسنةٍ ساخطة ومقالاتٍ عابسة الصَواب , وكأنّ ما حصل لحظة حظٍ انتظرتها الأيدي لترمي و تزري .

لو اتقدّت المقالات بشيءٍ من الحياديّة لوجدنا عوناً وقولاً ليّناً به يؤخذ , لو لمحت أبصارنا نُصحاً وتذكيراً لرأينا مُخطئاً يعترف لا يقترف فوق ذنبه عشراً بإنكارٍ و تبريرات لا تودّ كسر ساق الكبرياء , لا أدري أمن المُعقل أن لا ننفك عن تكرار أخطاءٍ نرى – مُسبقاً – حلّها ؟ أم سينتهي بنا الحال عائدين كما بدأنا أوّل مرّه , مُنعشين شعارات الطفولة القديمة ” بالإتحاد قوّه ” حتّى لتتعلّم الأنام من بعد وتعي كيف الوفاق ! يبدو أن المرء طفل نفسه بعد كُل شيء مهما عمّر ولاذ به الزمن .

حتّى يكون رمضان مُباركاً , وكريم .

تسكنكم / تكسوكم تَحايا حِسانٌ .

I

من المعروف كثيفاً أن شهرنا العظيم مصحوبٌ بعبارة ” مُبارك ” . لكن في مُجتمعٍ رُوتينيّ يُصبح فيه الكلام شأن كُلّ أمُوره و قومه , من الطبيعيّ أن تُصبح هذا الكلمة ” معلوكةً ” دون تذوّقها وإستيعابها.
فلا أفقه فعلاً كيف يُمكن لرمضانٍ المسكين أن يُصبح مُباركاً و الأبدان تصدح بمؤخراتها على ميلودي و روتانا . يؤكد لي هذا أن بعض المُتأسلمين لا يُقدّمون للإسلام ولا أدنى حُرمة , خُصوصاً بعد سماعي بأن إحدى قنوات الأغاني الأجنبيّة ستُغلق في رمضان , مُعلّلة أنّها لا تود جرح صيام المُسلمين !

اضف لذلك الدعارة السمعيّة ” البال توك ” التي تضجّ بالموسيقى ليل نهار , و الشاتات التي تتزاحم بأدنى الكلام و تنمّ عن هُراء اللُباب . أمّا التلفاز , فلا أدري أيّ الكلام فيه أبلغ , و أيّ البصق فيه يُفلح ! حسبي أن ملكت من القول ما يُشفي غليل البصر .
جُلّ ما أنا أكيدةٌ منه أنّا نحتاج أن نُزيح صِغارنا – في كُلّ وقتٍ و حين – عن الغثاثة الفكريّة التي يتمصّونها مُبتهجين / جاهلين , ليس من الذكيّ أن تتمطّى أبصارهم على قُبلات التُرك و سُخف الخليج .
فنحن يا قوم , نملك من الجيل التالف ما يكفي و يُثير الوَهن ! , نملك جيلاً سمين الجهل , أعرج الفِعل في رمضان , وهذا ما تُصوّره الأسواق – أيضاً.

فلنعزف عن سُود الأمور , و نتّقد مُنتفعين بشهرٍ توّفرت فيه الجنّة .
ليس صعباً أن نُضرم الجانب الديّن فينا و نُبيد ما رنّق أعمالنا , أن نُغشي السعي الأطهر على ألبابنا و نهمّ بذكىّ الخُطى وما مَلكنا من طِيب الورى , أن نُحسن التجلّي بإختصار
.
و ليس مُجهداً إن التزمنا بالأمر حتّى بعد رمضان , فالله مُبصرٌ عليمٌ في كُلّ الشهور , و السنون .

II

يألف عديدُنا أن الأنام في رمضان على شطرين : “ قَويم العبادة الساعي لها هو الأوّل . و مُنكمش الدين , فاره البطن هو الثاني ” .
فعلى العائلات التي تُخرج أطناناً من الفيلة جراء الحشو و تهتم بالأكل قبل الصَوم أن تتذكرّ أولئك الذين اخترق العظم جلدهم .
فلنجعل رمضان كريماً / عامراً بسخاءٍ يسُرّ على جميع الصائمين , المحتاجين و الفقراء الذين يُؤّذن بهم الشقاء كُلّما نُودي أن حيّ على الفلاح . فلنُغدق ولو خُبزةً يشعّ بها وجه آكلها و يهلّ لك بعدها بحُسن دعائه و أصدقه , فلنعتلي الإهتمام و نُصفّفه بنُبل , جاعلينه الفكرة التي لا تنفكّ عن المجيء , الفكرة التي تُذكّر و تُسرّب : ” من فطر صائماً كان له مثل أجره

ما قبل النُقطة :
ليس يُجدي الكلام مالم ينهض بالفِعال

كُلّ عامٍ وأنتم بما يُرضي الله ، هُنا بعض البرامج الدينيّة التي قُمت بجمعها  .

الطُموح في مأزق ؛

تحذير نتّي  :

الحديث أدناه لا يعني شيئاً , إنّه مُجرّد إسهابٍ في الحنق و تغيير نبرة, لا ينبغي على الصغار تداوله .

– شيءٌ مُجهد أن تتحدث بحذرٍ / ذُعر .

بالنسبة لي , ليس عليّ أن احمل همّ التحدّث بطلاقة ؛ حتى يغبطني أحدهم , أو أن أهلّ بكميّةٍ وافرة من الصياغة ؛ لأُحلّ هيبةً شخصيّة , ولا تصيّد الكلمات الفريدة فتعرفوا كم أنا شخٌصٌ مُتمكّن , ينتشل صفوة الحديث فترتّج الأفئدة بدهشةٍ مُخيّلة .
ترجّلت عن هذه الفِعال , وتركتها للمُتفاقمين يمتطونها مُبتهجين .

الأمر ببساطة أن تتحدّث وأنت لا تكترث برأي أحدهم إلا بعد أن تكترث لرأيك.
رُبّما هذا المُبتغى وحده طموح !

أما هم – الطامحين نحو القُعر , الذين يدسّون رؤوسهم بين ذوي العزم بطريقةٍ خاطئة و يُحققّون غاياتهم بأرذل السُبل و أبهظ الطُرق – تسير الأمُور عكس ذلك , فبالنسبة لهم :
عليك أن تبدو واثقاً , غامضاً , لا مُبالياً حتى يتقافز إليك الورى , ومن ثمّ ينقبوك فتشعر بالغبطة و تخبر أصدقاءك كم أنت مُهم , لدرجة أنّك تُبادر بكتابة مقالةٍ عن الأمر و تنتظر تلقي الرسائل بمناسبة هذا اليوم الفضيل العظيم !
.
فإنّك بطريقتهم التي يسيرون عليها تستطيع أن تكون ما تشاء , أينما تشاء , وكيفما شئت ..
بإمكانك أن تفد كشيخ و تنهى الصبيّ و تأمر الغبيّ , و لا يؤمن بقولك إلا أميٌ لازال يتعلّم كتابة اسمه بالماسنجر , أو – بإمكانك – أن تكشّر أنيابك عن مُتذاكي يُخبر بأنه قضى يومه الشاق وهو يجوب الجبال و الوهاد و يُصارع الثيران حتى يجد كنز أجداده الثمين , وهو عبارة عن حذاءٍ صنعة ” بنقالي ” بكيلو14 كان يرتديه جدّه أيام الجمعة , كما ستجد الفرصة لأن تشنّ إنتخاباتٍ تُشيّد نفسك بعدها رئاسي و تتظاهر بالولاء و تتحدث عن الغلاء , الفقر , العِرض , المرضetc….
و سيُعجِب الكثير أنك أحسست بمعاناتهم ,
قبّحهم الله كيف ذلك وأنت الطبقة الطيّبة ؟
الطبقة التي يُنادي كبارها بالدين
و يرجم صغارها أي شيخٍ متين !
الطبقة …
التي كانت دوراً في كُلّ ما يعانون !

وتستطيع أن تكون “أنت“ – مع استغناءك عن الصدق – في حين أنه سيبصق عليك قليلٌ و يصرخون بالنفاق و أثره على المُجتمع وكيف أنّه يخلّف آثاراً سلبية على الدين و الدنيا بينما هم يحتضنون عاهرة , وكثيرٌ ينكمشون برؤوسهم ثم يقولون : رأيت مثلك من قبل , مع تحياتي و قبلاتي و أسناني و أدنى كلامي .

و مسموحٌ لك أن تتظاهر بالتنبؤ لدرجة أنك تُخبرهم أنك رأيت يأجوج ومأجوجاً في مطبخك يمرحون , و سيتناقل الخبر وفدُ سياسيّ يقول أن الأمر مُدبرٌ و ينبغي إقامة قمّة لمعرفة الحقيقة !
لسوء الحظ سيجيء من هو أشدّ منك براعةً في الكذب ويقول أنّ الشعب العربي تخلّى عن البلوتوث و توّجه بدلاً منه للقراءة وتبادل كُتب مُراهقة كل ما تذكره في كتابها و تحاول أن تخبر العالم به ” أنها نضجت ” و أصبحت تُحّب !
لا أنسى انك ستملك فرصة أن تظهر ككاتب ..
لا تقلق , تستطيع أن تتحدث عن قمامة جارك – أكرمكم الله – و مع ذلك سيجيئك سيلٌ من ” لله درّك ” , ” ما أعظمك ” , ” الله أكبر يالهاته الموهبة “
بل إن الأمر ليزداد روعةً , و ستتحدّث عنك العربية و تغتاظ منها الجزيرة جراء ذلك
فقط حين تكتب عن الذباب !

وكُلّما تزّيفت , قلما عرفت ما تطمح إليه !

– – –

أما بعد :
فالأفعال المحشوّة بالسُذج هذه يحسبها البعض طموحاً , واحسبها – وغيري حيارى –  نُباحاً مُجوّف !
فالطموح أن تسمو بعُنقك لا أن تلويه , الطمُوح شعورٌ يضرمه نبيلٌ يسعى لا يخشى , أن تزهو بعنانك نحو الأعلى فلا تلوذ به للزيف يفتك به , أن تركض لا تحبو …. و الكثير من هذه الأحاديث التي ولّى سامعوها ..
.
وكما قوّة الطائر في جناحية , و الجواد في ساقيّه , المُصّر كذلك في طموحه .
و لم يك شيئاً ليتفشى لولا الله ثّمّ مُعتكفي الطموح , فـ ” التقدّم الذي أحرزه العالم إنّما تحقَّق عن طريق الطموح ” كما ذكر إيمرسون ذات ساعة ..
الإرادة هي كُل اللُباب , هي من يُشيّدك بعد الله , هي زادٌ يتوّغل بك فتنتصب بأفعالك , غاياتك , أمنياتك أياً كان ما تُريد صُنعه , تحقيقه , و تكوينه ..
.
وكما – أيضاً – كُلّ شيء , ليس كُلّ الطموحين سواء ؛
هناك من يطمح لأطهر شأن , و خلفه من يطمح لـ ” أقشر ” مقام ..
ستكون هنري فورد , نورة الفايز , أو سكيراً بكّاء يترع خيباته إن أردت ..
اُكررّ : إن أردت , فكل شيء يجيء إن نحن أردنا و صنعنا , فلا توانوا عن صُنع قاماتكم بين الكِبار , أو حتّى الصغار ..
.
نهايةً :
بعض النّاس كالسّلم , يصعد عليهم الصاعدون , وينزل النازلون , أمّا هّمْ فلا يصعدون ولا ينزلون ! *

لذا إن كُنت شخصاً خاوياً لا تحفل بالأرب , فاغرب أوget real .

الأرب : الحاجة أو الغاية .
* ميخائيل نعيمة.